فصل: الفرق بين الفذ والواحد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال ما معنى الإله؟

الجواب: والإله في كلام العرب هو المعبود ولذلك تعددت الآلهة عندهم وأطلق لفظ الإله على كل صنم عبدوه وهو إطلاق ناشئ عن الضلال في حقيقة الإله لأن عبادة من لا يغني عن نفسه ولا عن عابده شيئًا عبث وغلط، فوصف الإله هنا بالواحد لأنه في نفس الأمر هو المعبود بحق فليس إطلاق الإله على المعبود بحق نقلًا في لغة الإسلام ولكنه تحقيق للحق.
وما ورد في القرآن من إطلاق جمع الآلهة على أصنامهم فهو في مقام التغليط لزعمهم نحو {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانًا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون} [الأحقاف: 28]، والقرينة هي الجمع، ولذلك لم يطلق في القرآن الإله بالإفراد على المعبود بغير حق، وبهذا تستغنى عن إكداد عقلك في تكلفات تكلفها بعض المفسرين في معنى {وإلهكم إله واحد}. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}.
وتلك هي قضية الحق الأساسية، و{إلهكم} يعني أن المعبود إله واحد، فالواقع أن الإله الحق موجود قبل أن يوجد الكفر. و{لا إله إلا هو} هذه قضية ثانية، لأن غفلة الناس هي التي جعلت بعضا من نفوس الناس تلتفت إلى آلهة أخرى. وقوله الحق أنه سبحانه: {إله واحد} أي ليس له ثان، والفارق بين {واحد} وأحد هو أن واحد تعني ليس ثان، وأحد يعني ليس مركبًا ولا مكونًا من أجزاء، ولذلك فالله لا يمكن أن نصفه بأنه كل أو كلي لأن كل يقابلها جزء وكلي يقابلها جزئي، وكل هو أن يجتمع من أجزاء. والله متفرد بالوحدانية، وسبحانه المنزه عن كل شيء وله المثل الأعلى، وأضرب هذا المثل للتقريب لا للتشبيه، إن الكرسي كل مكون من خشب ومسامير وغراء وطلاء، فهل يمكن أن نطلق على الخشب أنه كرسي أو على المسامير أو على الغراء أو على الطلاء؟. لا. إن كل جزء لا يطلق على الكل، بل الكل ينشأ من اجتماع الأجزاء.
والكلي يطلق على أشياء كثيرة؛ لكن كل شيء منها يحقق الكلي، فكلمة إنسان نقول عنها كلي؛ جزئياتها محمد وزيد وبكر وعمر وخالد، فنقول: زيد إنسان، وهو قول صحيح، ونقول عمر إنسان وذلك قول صحيح. والله سبحانه وتعالى لا هو كلي لأنه واحد، ولا هو كل لأنه أحد. إن القضية الأساسية في الدين هي {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو} والقرآن لا ينفي ويقول: {لا إله إلا هو} إلا حين توجد غفلة تعطي الألوهية لغير الله، أو تعطي الألوهية لله ولشركاء معه، إن القرآن ينفي ذلك ويقول: {لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وليس هناك شيء غير الله إلا نعمة منه سبحانه أو منعم عليه.
إن ما دون الله إما نعمة وإما منعم عليه بالنعمة، وهذه كلها نفح الرحمن، ونفح الرحيم. ومادام كل شيء ما عدا الله إما نعمة وإما منعم عليه فلا توصف النعمة بأنها إله، ولا يقال في المنعم عليه: إنه إله، لأن المنعم عليه معناه أن غيره أفاض عليه نعمه، لأن النعمة موهوبة، والمنعم عليه موهوب إليه، فإذا كانت هبة أو موهوبة إليه فلا يصح أن تكون إلها، لكن الذين يفتنون إنما يفتنون في الأسباب، والحق سبحانه وتعالى هو المسبب لكل الأسباب. وبعد ذلك يلفتنا الحق سبحانه إلى خدمة هذه القضية فيدعونا أن ننظر في الكون ونتأمل في النعمة الموجودة لنا، وبعد ذلك فأنت يا من أنعم الله عليه بهذه النعمة إن وجدت أحدا يدعيها لنفسه فأعطها واتركها له وانسب النعم إلى موجدها وهو الله وإياك أن تشرك في نعمة الله أحدًا غيره، لأن الله يقول: في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه». حديث قدسى اخرجه مسلم وابن ماجه.
ويلفتنا الحق إلى الكون فيقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وأبو مسلم الكجي في السنن وابن الضريس وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} و{الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 1- 2]».
وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة {وإلهكم إله واحد} الآيتين».
وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن وثمة قال: الآيات التي يدفع الله بهن من اللمم من لزمهن في كل يوم ذهب عنه ما يجد {وإلهكم إله واحد} الآية. وآية الكرسي، وخاتمة البقرة، و{إن ربكم الله} [الأعراف: 54] إلى المحسنين، وآخر الحشر، بلغنا إنهن مكتوبات في زوايا العرش، وكان يقول: اكتبوهن لصبيانكم من الفزع واللمم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}.
قوله: {إلهٌ وَاحدٌ} خبر المبتدأ، و{وَاحِدٌ} صفةٌ، وهو الخبر في الحقيقة؛ لأنَّه مَحَطّ الفائدةَ، ألاَ ترى أنَّه لو اقتصر على ما قَبْلَه، لم يُفد، وهذا يُشْبهُ الحالَ الموطِّئة؛ نحو: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَجُلًا صَالِحًا فرَجُلًا حالٌ وليستْ مقصودة، إِنَّما المقصودُ وصْفُها.
قال أبو عليٍّ: قولُهُمْ واحدٌ: اسمٌ جَرَى على وَجْهَيْن في كلامِهِم.
أحدهما: أن يكونَ اسمًا.
والآخَرُ: أن يكونَ وَصْفًا، فالاسْمُ قولُهُمْ في العَدَد: واحد، اثْنَانِ، ثلاثةٌ، فهذا اسمٌ لَيْسَ بوصف، كما أنَّ سائر أسماء العَدد كذلك، وأَمَّا كونُهُ صفةً؛ فقولُكَ: مَرَرْتُ برَجُلٍ وَاحِدٍ، وهَذَا شَيءٌ وَاحِدٌ، فإذا جرى هذا الاسمُ على الحَقِّ سُبْحانه وتعالى، جاز أن يكون الذي هو الوصفُ كالعالِم والقادِرِ، وَجَازَ أن يكون الذي هو الاسْمُ كقولكِ شَيْء ويقوِّي الأوَّل قوله تعالى: {وَإِلهُكُمْ إِلَهٌ وَاحدٌ}.
قوله تعالى: {إلا هُوَ}: رفع {هُوَ} على أنه بدلٌ من اسْم {لا} على المَحَلِّ؛ إذ محلُّه الرفْعُ على الابتداء، أو هو بَدَلٌ من {لاَ} وما عملتْ فيه، لأنَّها وما بعْدَها في مَحلِّ رفْعٍ بالابتداء، وقد تَقدَّم تقريرُ ذلك، ولا يجُوزُ أنْ يَكُون {هو} خبر {لاَ} التَّبْرِئَةِ، لما تقرَّر من أنَّها لا تعملُ في المَعَارف، بَلِ الخَبر مَحْذُوفٌ، أي: لاَ إِلهَ لَنَا هذا إذا فَرَّعنا على أنَّ {لاَ} المبنيَّ معها اسْمُها عاملةٌ في الخَبَرِ، أمَّا إذا جعلْنَا الخَبَرَ مَرْفُوعا بما كان علَيْه قَبْل دخولِ {لاَ} ولَيْسَ لها فيه عَمَلٌ وهو مذهبُ سيبَوَيْهِ فكَان ينبغي أن يكون {هُوَ} خبرًا إلاَّ أنَّه مَنَع منه كوْنُ المبتدأ نكرةً، والخبَر معرفةً، وهو ممنوعٌ إلاَّ في ضرائر الشِّعْر في بَعْض الأَبْوَاب.
واستَشكَلَ الشَّيْخُ أبو حَيَّان كَونَهُ بَدَلًا منْ {إِلَهَ}.
قال: لأنَّه لَمْ يمكنْ تكريرُ العَامِلِ؛ لا نقولُ: لاَ رَجُلَ إِلاَّ زَيْدٌ والذي يظهر أنه لَيْسَ بدلًا من {إلَه} ولا مِنْ رَجُل في قولك: لاَ رَجُلَ إِلاَّ زَيْدٌ، غنما هو بَدَلٌ من الضَّمير المستكنِّ في الخبر المحْذُوفِ، فإذا قلنا: لا رجل إلاّ زيَدٌ، فالتقديرُ: لاَ رَجُلَ كائنٌ، أو مَوْجُودٌ إِلاَّ زَيْدٌ، فزَيْدٌ بدلٌ من الضمير المستكنِّ في الخبر لا مِنْ رَجُل، فليس بدلًا على مَوْضِع اسم لا، وَإِنَّما هو بدلٌ مَرْفُوعٌ منْ ضمير مَرْفوعٍ، وذلك الضَّميرُ هو عائدٌ على اسم لا، ولولا تصريح النَّحويِّين: أنَّه بَدَلٌ على الموضِعِ مِنِ اسم لاَ، لتأوَّلنا كلامَهُمْ على ما تقدَّم تأويلُهُ.
قال شهاب الدين: والَّذي قالُوهُ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لأنهم لم يقولُوا: هو بدَلٌ من اسْم لا على اللَّفظِ؛ حتى يلزمَهُمْ تكريرُ العامِلِ، وإنَّما كان يشكلُ لو أجازُوا إبْدَالَهُ مِن اسْمِ لا على اللَّفظِ، وهم لم يجيزوا ذلك لعَدَم تكير العَامِلِ، ولذلك منعوا وجْهَ البَدَلِ في قولهمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وجعلُوهُ انتصابًا على الاستِثْناءِ، وأَجَازُوهُ في قولك: لا رَجُلَ في الدَّارِ إلاَّ صاحِبًا لك لأنَّه يُمْكِن فيه تكريرُ العَامِلِ.
قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فيه أربعةُ أوْجُهٍ:
أحدها: أن يكونَ بَدَلًا منْ {هُوَ} بدَلَ ظاهرٍ مِنْ مُضْمَرٍ، إلا أن هذا يُؤَدِّي إلى البَدَلِ بالمُشْتقَّاتِ وهو قليلٌ؛ ويُمْكِنُ أنْ يجاب بأنَّ هاتَين الصفتَيْن جَرَتا مَجْرَى الجوامِدِ ولاسيما عنْدَ من يَجْعل الرَّحْمن علمًا، وقد تقدَّم تحقيقُهُ في البَسْمَلَةِ.
الثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هُو الرَّحْمَنُ، وحسَّنَ حذْفَهُ توالي اللفْظِ ب {هُوَ} مرَّتَيْن.
الثالث: أن يكوم خبرًا ثالثًا لقوله: {وَإلَهُكُمْ} أخبر عنْهُ بقوله: {إِلَهٌ وَاحِدٌ} وبقوله: {لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ} وبقوله: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وذلك عند مَنْ يَرَى تعدّدَ الخَبَرِ مُطْلقًا.
الرابع: أن يكون صفةً لقوله: {هُوَ}، وذلك عند الكِسَائِيِّ؛ فإنَّه يجيزُ وَصف الضَّمير الغائب بصفة المَدح، فاشترط في وصف الضَّمير هذَين الشَّرْطَين: أن يكون غائبًا، وأن تكون الصفَةُ صفةَ مَدْحٍ؛ وإن كان ابنُ مالكٍ أطْلَقَ عَنْه جوازَ وَصْفِ ضمير الغائِب، ولا يجوز أنْ يكُون خبرًا ل {هُوَ} هذه المذكورةِ؛ لأنَّ المستثنى ليْسَ بجُملةٍ. اهـ. باختصار.

.فروق لغوية دقيقة:

.الفرق بين الفرد والواحد والوحدانية وما يجري مع ذلك:

وفي الفرق بين ما يخالفة من الكل والجمع وما هو من قبيل الجمع من التأليف والتصنيف والنظم والتنضيد والممارسة والمجاورة والفرق بين ما يخالف ذلك من الفرق والفصل.

.الفرق بين الواحد والفرد:

أن الفرد لا يفيد الانفراد من القران والواحد يفيد الانفراد في الذات أو الصفة ألا ترى أنك تقول فلان فرد في داره ولا تقول واحد في داره وتقول هو واحد أهل عصره تريد أنه قد انفرد بصفة ليس لهم مثلها وتقول الله واحد تريد أن ذاته منفردة عن المثل والشبه، وسمي الفرد فردا بالمصدر يقال فرد يفرد فردا وهو فارد وفرد والفرد مثله.
وقال علي بن عيسى- رحمه الله تعالى:
الواحد ما لاينقسم في نفسه أو معنى في صفته دون جملته كإنسان واحد ودينار واحد وما لا ينقسم في معنى جنسه كنحو هذا الذهب كله واحد وهذا الماء كله واحد والواحد في نفسه ومعنى صفته بما لا يكون لغيره أصلا وهو الله جل ثناؤه.

.الفرق بين الانفراد والاختصاص:

أن الاختصاص انفراد بعض الأشياء بمعنى دون غيره كالانفراد بالعلم والملك والانفراد تصحيح النفس وغير النفس وليس كذلك الاختصاص لأنه نقيض الاشتراك والانفراد نقيض الازدواد والخصة تحتمل الإضافة وغير الإضافة لأنها نقيض العامة فلا يكون الاختصاص إلا على الإضافة لأنه اختصاص بكذا دون كذا.

.الفرق بين الواحد والأوحد:

أن الأوحد يفيد أنه فارق غيره ممن شاركه في فن الفنون ومعنى من المعاني كقولك فلان أوحد دهره في الجود والعلم تريد أنه فوق أهله في ذلك.

.الفرق بين الفذ والواحد:

أن الفذ يفيد التقليل دون التوحيد يقال لا يأتينا فلان إلا في الفذ أي القليل ولهذا لا يقال لله تعالى فذ كما يقال له فرد.

.الفرق بين الواحد والمنفرد:

أن المنفرد يفيد التخلي والانقطاع من القرناء ولهذا لا يقال لله- سبحانه وتعالى- منفرد كما يقال إنه متفرد.
معنى المتفرد في صفات الله تعالى المتخصص بتدبير الخلق وغير ذلك مما يجوز أن يتخصص به من صفاته وأفعاله.

.الفرق بين الواحد والوحيد والفريد:

أن قولك الوحيد والفريد يفيد التخلي من الاثنين يقال فلان فريد ووحيد يعني أنه لا أنيس له ولا يوصف الله تعالى به لذلك.
الفرق بين قولنا تفرد وبين قولنا توحد أنه يقال تفرد بالفضل والنبل وتوحد تخلى.

.الفرق بين الوحدة والوحدانية:

أن الوحدة التخلي والوحدانية تفيد نفي الأشكال والنظائر ولا يستعمل في غير الله ولا يقال لله واحد من طريق العدد ولا يجوز أن يقال إنه ثان لزيد لأن الثاني يستعمل في ما يتماثل ولذلك لا يقال زيد ثان للحمار ولا يقال إنه أحد الأشياء لما في ذلك من الإيهام والتشبيه ولا يقال إنه بعض العلماء وإن كان وصفه بأنه عالم يفيد ما يفيد فيهم.

.الفرق بين واحد وأحد:

أن معنى الواحد أنه لا ثاني له فلذلك لا يقال في التثنية واحدان كما يقال رجل ورجلان ولكن قالوا اثنان حين أرادوا أن كل واحد منهما ثان للآخر وأصل أحد أوحد مثل أكبر وإحدى مثل كبرى فلما وقعا اسمين وكانا كثيري الاستعمال.
هربوا في إحدى الكبرى ليخف وحذفوا الواو ليفرق بين الاسم والصلة وذلك أن أوحد اسم وأكبر صفة والواحد فاعل من وحد يحد وهو واحد مثل وعد وهو واعد والواحد هو الذي لا ينقسم في وهم ولا وجود وأصله الانفراد في الذات على ما ذكرنا وقال صاحب العين الواحد أول العدد وحد الاثنين ما يبن أحدهما عن صاحبه بذكر أو عقد فيكون ثانيا له بعطفه عليه ويكون الأحد أولا له ولا يقال إن الله ثاني اثنين ولا ثالث ثلاثة لأن ذلك يوجب المشاركة في أمر تفرد به فقوله تعالى: {ثاني اثنين إذا هما في الغار} معناه أنه ثاني اثنين في التناصر وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} لأنهم أوجبوا مشاركته في ما ينفرد به من القدم والإلهية فأما قوله تعالى: {إلا هو رابعهم} فمعناه أنه يشاهدهم كما تقول للغلام اذهب حيث شئت فأنا معك تريد أن خبره لا يخفى عليك. اهـ.
واعلم أنه سبحانه إنما خص هذا الموضع بذكر هاتين الصفتين لأن ذكر الإلهية الفردانية يفيد القهر والعلو فعقبهما بذكر هذه المبالغة في الرحمة ترويحًا للقلوب عن هيبة الإلهية، وعزة الفردانية وإشعارًا بأن رحمته سبقت غضبه وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان. اهـ.